بسم الله الرحم الحمن الرحيم
أنواع المبيدات الإسرائيلية بين المزارعين فى بعض المحافظات، المستخدمة فى زراعة الخضروات والفواكه بهدف تكبير حجم الثمار وزيادة إنتاج المحصول، ويحتوى المبيد على مادة مسببة للسرطان تسمى (aceto chlor)، تسبب خللاً هرمونياً بجسم الإنسان ومحظور استخدامها عالمياً، طبقاً لقوائم وإرشاد منظمات الصحة العالمية والاتحاد الأوروبى ووكالة حماية البيئة الأمريكية والمنظمة الدولية لبحوث السرطان.وتكشف «المصرى اليوم» خلال هذا التحقيق الموثق بتقارير علمية لبعض الجهات الدولية، عن أضرار بالغة الخطورة لهذه المادة، وبعض الأماكن التى تنتشر فيها، وكيفية دخولها إلى الأسواق المصرية، كما ترصد سلوكيات المزارعين فى التعامل مع المبيد، خلال زيارة ميدانية لبعض المناطق فى محافظتى الإسماعيلية والشرقية.
فى طريقى إلى مدينة الصالحية التقيت سالم، أحد مزارعى «الصالحية الجديدة» فى الشرقية. وتحدث سالم عن طبيعة الزراعة والمزارعين قائلاً: «الأرض هنا أغلبها مؤجرة لناس من سيناء والعريش وأكثرهم يعرفون منطقة الصالحية الجديدة جيداً، لأنهم يزرعون بعض أنواع المحاصيل اللى بت*****ب زى الطماطم والخيار والباذنجان والفلفل، وفاكهة منها البطيخ والكانتالوب والفراولة وأصناف أخرى كثيرة».
ويوضح سالم أن أغلب الزراعات تعتمد على الصوبات الزراعية لأن المزارعين يهتمون بزراعة الخضروات والفاكهة فى غير أوانها معللا ذلك «بأن م*****بها أكثر من الفاكهة والخضر، اللى فى أوانها، والطماطم أكثر محصول بنزرعه».
ويواصل سالم حديثه شارحاً طريقة جلب البذور وهويتها، قائلاً: كل شتلات الطماطم هنا بذورها مستوردة فيها اللى بييجى متهرب من إسرائيل عن طريق الأنفاق وهناك صنف مشهور باسم «أوريت عادى» وهو رخيص والمزارع يشترى الشتلة من المشتل بـ٢٥ جنيهاً، فيها ١١٠ أشجار صغيرة وعلى حسب المساحة اللى هيزرعها بيحدد الكمية».
ويشرح سالم كيفية زراعة الطماطم وطريقة ريها وفى حديثه عن المبيدات المستخدمة فى الزراعة يستوقفنى وصفه لها بالخلطة السحرية لأحد المبيدات المستخدمة فى زراعة الطماطم والخضروات والتى تشتهر بين الفلاحين «بالهرمون» قائلاً: الخلطة السحرية بنرشها على الطماطم بعد عمر ٤٠ يوماً فى الأرض، بتزود المحصول وبتكبر حجم «حب الطماطم» وتخلى وزنها أكبر، والصنف ده متهرب من إسرائيل».
ويضيف شارحاً كيفية استخدام هذا المبيد الذى يحمل سمات المبيد والسماد والهرمون فى زراعة الطماطم بقوله «كيس الهرمون الواحد يكون وزنه كيلو ويكفى فداناً فقط، وتتم إذابته فى ٢٠ لتر مياه وتوضع بموتور لرش الزرعة ٣ مرات، الأولى تكون بعد عمر ٤٠ يوماً للشتلة والثانية بعدها بأسبوع، وتكون الطماطم بدأت تخضر وتجيب بشاير، ثم نرش مرة ثالثة بعدها بأسبوع، وبعدها بتكون «الحباية» وصلت لحجم ضخم وقاربت على الحصاد».
اقتربنا من كوخ صغير وسط رقعة زراعية ت*****وها الصوبات، وهمس لى سالم قائلا: «إحنا دلوقتى هنعدى على «عمَّار» فى الخص بتاعه اللى قدامنا ده، وإياك تعرفه إنك صحفى عشان ممكن يؤذيك اتكلم على أنك شاب عايز تزرع طماطم ومحتاج للهرمون الإسرائيلى».
وذهبنا إلى «عشة عمار» فإذا بشاب ثلاثينى يتمدد على الأرض ينظر إلى بعين الريبة، ويطمئنه سالم قائلاً: «دا محمد شاب مأجر أرض جديدة وعايز يزرع طماطم وعايز يأخد خبرة منك بخصوص زراعة الطماطم ويشترى الهرمون».
بابتسامة بسيطة يرحب بى «عمار» ويدعونا للجلوس، واسترسل فى حديثه عن زراعة الطماطم بأدق التفاصيل، حتى حان دور «الخلطة السحرية» أو الهرمون المهرب، وقال عنه «عمار»: «الهرمون ده فيه منه نوعين، الأول سائل ودا يباع بالسنتيمتر ودا عشان يترش فى الطماطم والخيار وبيزود المحصول ويخلى الثمرة توزن، والسنتيمتر منه بـ٨٠ جنيهاً، وتخلطه بالمياه وترشه على الزرعة من برة بموتور رش، النوع الثانى بودرة بس بتتباع بالكيس ووزنه كيلو وسعره يبدأ من ٣٠٠ جنيه».
ويضيف عمار محذراً: «لازم لما تشترى الهرمون تفرغ البودرة منه وتحرقه عشان محدش يشوفه، لأنه ممنوع أصلاً إنك تمشى بيه، لأنه متهرب من أنفاق غزة بسيناء، وجى من إسرائيل ومفيش فى مصر هرمون زيه، ولو حد شافه معاك ممكن يعملك مشكلة».
وعن أبرز الأماكن التى تستخدم الهرمون قال سالم: «احنا بنوزع الهرمون وبيوصل لكل المناطق الزراعية الصحراوية زى شمال سيناء وطريق الإسكندرية الصحراوى، والإسماعيلية والنوبارية والصالحية الجديدة والسويس وترعة السلام ومنطقة بنجر السكر بكفر الشيخ وإسكندرية والفيوم».
وتطرقنا لخطورة الهرمون وأكد لى عمار أن استخدامه ضار جدا بالصحة، وقال: «أنا عارف إنه مضر بالناس اللى بتاكل الزرعة دى، بس هنعمل إيه من غير الهرمون ده المزارع هيخسر، والفدان اللى بيتصرف عليه ١٠ آلاف جنيه هيخسر ومش هيجيب إنتاج».
وعن التأثير الفعال للهرمون أكد عمار أن الفدان المرشوش بالهرمون تحصد منه ١٥٠٠ قفص طماطم، بينما الفدان غير المرشوش إنتاجه لا يتعدى الـ٥٠٠ قفص فقط.
«احترس من التقليد لأن فيه أنواع مضروبة» هكذا حذرنى عمار مؤكداً أن هناك أصنافاً مضروبة يتم تزويرها بنفس شكل الكيس الإسرائيلى، وحرك عمار يده باحثاً عن شىء أسفل القش المفروش بأرضية العشة، مظهراً عبوة فارغة مكتوباً عليها بالعبرى وملونة بالأحمر والبنفسج والأبيض وكل الكلمات المدونة عليها بالعبرى عدا جملة باللغة العربية مطبوعة أسفل العبوة وبها خطأ إملائى وتقول «للاستقمال الزراعى، وليس للاستقمال المنزلى» أى للاستعمال الزراعى وليس للاستعمال المنزلى، كما يدون عليها كلمة باللغة الإنجليزية تسمى «oraset ٢٠%».
وطلبت شراء كيسين من الهرمون، فطالبنا عمار بالانتظار فى الكوخ، على أن يحضر لنا عبوتين من الهرمون الإسرائيلى من مكان مجاور يخزنه به، وذهب وانتهزت فرصة غيابه والتقطت العبوة الفارغة من مكانها أسفل القش طبقتها ووضعتها فى جيبى.
عاد عمار يحمل العبوتين وطلب منا فى العبوة ٣٠٠ جنيه، مؤكداً أنها فرصة عظيمة لأن الفترة المقبلة سيرتفع سعر الكيس إلى ٤٠٠ جنيه، لكنى تحججت بعدم توافر المبلغ بحوزتى وأنى سأعود له فى اليوم التالى بالمبلغ.
فى صباح اليوم التالى التقت «المصرى اليوم» بعض المزارعين من مدينة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية، المجاورة لمدينة الصالحية الجديدة، وكانت أغلب المزروعات من محصول الطماطم وسألتهم عن هذا الهرمون، وكنت أقابل بنظرة ريبة حادة، ورفض المزارعون التحدث عن الهرمون وكأنه مخدرات، فيما تحدث أحدهم بصوت متردد عندما سألته عن مكان جلب الهرمون، فأجابنى باقتضاب شديد قائلاً «أنا بشترى (هرمون سايل) للطماطم من أى محل مبيدات بمدينة القصاصين بس من البياعين اللى يعرفونى ودا نوع ممتاز من الهرمون، السنتيمتر منه بـ٨٠ جنيه وبيتباع فى سرينجات عشان محدش يغشك ويضحك عليك فى الكمية».
أحد الفلاحين حكى لنا أنه زرع فى إحدى المرات طماطم ولم يستخدم الهرمون فلم يأت بنتائج مماثلة لجيرانه من الفلاحين وقال: «الناس هنا كلها بترش الهرمون، أنا مرة مرشتهوش، المحصول بتاعى مجبش إنتاج كويس» ونصحنى قائلاً: لو ناوى تزرع طماطم لازم ترش الهرمون وإلا هتخسر».
«اشتر كل ما صنع فى إسرائيل» شعار مدون أسفل علم إسرائيل المطبوع على العبوة، فعندما طالعنا الكيس وترجمنا ما كتب عليه باللغة العبرية المنتشرة على وجهيه، اتضح لنا أن اسم المبيد التجارى «oraset» وتنتجه شركة إسرائيلية بمدينة «نتانيا الإسرائيلية»، وتركيبته الكيميائية (phthalamic acid)، والمادة الفعالة تسمى (aceto chlor)، وهى المادة المحرم استخدامها دولياً والمسببة للسرطان، ووزن الكيس كيلو جرام، ومدون على الوجه الأول للكيس إرشادات لطريقة استعمال المبيد ودرجة الحرارة المناسبة لرشه فى زراعة الطماطم تحديداً، والوجه الآخر عليه إرشادات لاستخدامه فى زراعة الباذنجان، وتقول الإرشادات: «يتم رش أوراست كل ١٠ أيام من الساعة الثانية حتى الثالثة فجراً، على أن تكون درجة الحرارة ١٢ درجة أو أقل، وضمن الاشتراطات المكتوبة أنه يرش خلال موسم الشتاء فقط، ويوضع كل ١٠ جرامات من المستحضر لكل ١٠ لترات مياه».
ويحتوى الكيس على تحذيرات من وصول المبيد للشجيرات المجاورة لثمرة الطماطم أو الباذنجان، أثناء رشه، والابتعاد عن مجال الرش أو الاستنشاق، والحذر من ملامسته أعضاء الجسم المكشوف أو العين، وفى حالة ملامسة المبيد العين يجب شطفها جيداً ولمدة ١٥ دقيقة، وفى حالة ابتلاع المبيد لابد من زيارة الطبيب.
لكن الشىء اللافت للنظر أن الكيس مكتوب عليه مقادير الاستخدام، التى تناسب دولة الأردن، وتشير التحذيرات إلى أن «المناطق المفتوحة فى وادى عربة بالأردن، يجب أن يكون تركيز المبيد ٥٪، وفى منطقة وادى نهر الأردن، يجب أن يكون التركيز ٣٪، وتتكرر هذه العبارة بتركيز مختلف على الوجه الآخر للكيس فى إرشادات الباذنجان»، وهو ما يؤكد أن نفس المبيد يتم تصنيعه فى إسرائيل ويتم تصديره للأردن.
من جانبه، أكد الدكتور محمد فتحى سالم، مستشار منظمة الأغذية والزراعة بمصر«فاو»، مدرس أمراض النبات والزراعة الحيوية بمعهد بحوث الهندسة الوراثية والتكنولوجيا بجامعة المنوفية، أن هذه المبيدات الإسرائيلية تعرف علميا باسم هرمون النمو(growth hormone)، وهو أحد أنواع الأسمدة، التى تستخدم عن طريق الرش الخارجى على النبات، وتحدث انقساماً بشكل سريع وعشوائى فى شكل وحجم الثمرة، بسبب فاعلية المبيد وتتعرض الثمرة لعمليتين هما كبر حجم الخلايا (hyper thophy) وتضاعف عددها (hyper plasia)، مما يزيد من حجم ووزن الثمرة وتعطى محصولاً أكثر ثلاثة أضعاف المحصول الطبيعى.
«هذه الأسمدة تسبب السرطان»، هذا ما شدد عليه الدكتور «فتحى»، وأضاف: «عندما يرش المزارع النبات بالسماد الإسرائيلى وتحديداً الأوراست (Oraset %٢٠)، فهو يحتوى على تركيبة كيميائية تسمى (phthalamic acid) بها مادة فعالة ثقيلة مسرطنة تسمى أسيتو كلور (aceto chlor) داخل النبات وتحدث تسمماً ذاتياً للنبات ويتغير طعم الثمرة الناتجة عنه، وتظل هذه المادة داخل النبات حتى يتناولها الإنسان بشكل تراكمى فتسبب له أوراماً سرطانية».
وأشار إلى أن الخضروات والفواكه التى يستخدم فيها المزارعون المبيد الإسرائيلى هى، الطماطم والفلفل الملون والخيار والعنب والخوخ والكانتالوب الأصفر والأخضر والفراولة والبطيخ.
وعن كيفية الكشف عن الخضروات والفواكه المصابة بهذه المواد أكد أنه من الصعب على الأشخاص العاديين اكتشافها، لأن لها مقاييس واختبارات معينة يمكن إجراؤها عن طريق أحد الأجهزة المخصصة لمعرفة سمية الثمار واحتوائها على مواد مسرطنة.
وأضاف: هذه النوعية من المبيدات غير مسجلة بوزارة الزراعة، وتدخل بصورة غير شرعية ومهربة ويستخدمها المزارع بشكل مفرط، ما يضاعف أضرارها لأنه لا يعرف عنها أى شىء، ولأن إرشاداتها مكتوبة باللغة العبرية، وأوضح أنه: «مدون على الكيس أنه يستخدم فى الشتاء فقط، والمزارعون يستخدمونه طوال أيام السنة، وهذا يزيد من درجة سميته».
وأوضح أن الشحنات التى يتم تصديرها من الخضروات أو الفواكه إلى أوروبا تخضع لنظام زراعى مطابق لمواصفات الاتحاد الأوروبى ومحظور استخدام المبيد المهرب فيها، أو أى شبيه له يحمل مواد محرمة طبقاً لقواعد منظمة الصحة العالمية، وإذا ما خالفت شحنة ما المواصفات وامتنعت الجهة الأوروبية عن استيرادها يتم ضخها إلى السوق المحلية وتحدث أضراراً كبيرة بالمواطنين.
وناشد الدكتور «فتحى» وزارة الزراعة ضرورة تدريب المهندسين الزراعيين على كيفية اكتشاف هذا المبيد المسرطن بين الفلاحين، وإتاحة الفرصة لهم لعمل ضبطية قضائية ومعاقبة من يستخدمه، كما طالب وزير الصحة بضرورة الكشف على الفواكه والخضروات المنتشرة فى الأسواق وتحليلها ومصادرة المنتجات الضارة بالشعب المصرى.
وأكد أن هناك طرقاً بديلة لزراعة الفواكه والخضروات بتقنية الزراعة الحيوية التى لا يستخدم فيها أى مواد ضارة بالبيئة أو الإنسان، وتقوم بنفس دور هذه المبيدات الخطيرة.
وحصلت «المصرى اليوم» على تقرير منظمة الصحة العالمية، المكون من ١٤ صفحة، ويشمل أسماء المواد الفعالة المسببة للسرطان والمحظور استخدامها عالمياً.
وورد اسم المادة الفعالة، التى تسمى أسيتو كلور (aceto chlor) التى تنتج عن التركيبة الكيميائية (phthalamic acid) الموجودة بالمبيد الإسرائيلى بالمجموعة الأولى (group ١) التى تصنف ضمن المواد الأشد خطورة والمسببة للسرطان، كما وردت بالصفحتين رقمى (٥و٦) بنفس التقرير، وتؤكد توصيات منظمة الصحة، أن هذه المادة تسبب السرطان، طبقاً لتقارير المنظمة الدولية لبحوث السرطان، كما أنها محظورة الاستخدام بالاتحاد الأوروبى، وتدرجها وكالة حماية البيئة الأمريكية ضمن المواد المحظورة والمسببة للسرطان، كما جاء بنفس التقرير بالصفحة رقم (٧) أن مادة أسيتو كلور (aceto chlor) تسبب خللاً هرمونياً وتؤثر على الصحة الإنجابية للإنسان.
«سمية المبيدات والتشريعات الدولية» (pesticide toxicology and international regulation) أحد الكتب الإنجليزية، للبروفيسور بريان بالانتاين، أستاذ مساعد بعلم الأدوية والسموم بجامعة فيرجينيا، وتيموسى مارس، مسؤول بوكالة معايير الأغذية البريطانية، يمكنك تحميله من على الإنترنت ومذكور به بالتفصيل أضرار التركيبة الكيميائية (phthalamic acid) وذكر فيه بصفحة (٢٨٤) تأثيرات المركب الكيميائى الخطيرة على التربة ومياه الصرف الزراعى التى يتسرب إليها المبيد.
وجاء بنفس الصفحة طبقاً لنص الكتاب «هذا المركب سريع الانتشار بالجسم ويصل للدم خلال دقيقة واحدة من تناول النباتات المرشوشة به، كما أن له أضراراً على العين والجلد ويسبب تلوثاً خطيراً للتربة كما يتلف مياه الصرف الزراعى».